سورة يونس - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{إِلَيْهِ} لا إلى أحد سواه استقلالاً أو اشتراكاً {مَرْجِعُكُمْ} أي بالبعث كما ينبىء عنه قوله تعالى: {جَمِيعاً} فإنه خالٍ من الضمير المجرورِ لكونه فاعلاً في المعنى أي إليه رجوعُكم مجتمعين والجملةُ كالتعليل لوجوب العبادة {وَعَدَ الله} مصدرٌ مؤكدٌ لنفسه لأن قوله عز وجل: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} وعد منه سبحانه بالبعث أو لفعل مقدر أي وعَدَ الله وعداً، وأياً ما كان فهو دليلٌ على أن المرادَ بالمرجِع هو الرجوعُ بالبعث لأن ما بالموت بمعزل من الوعد كما أنه بمعزل من الاجتماع وقرئ بصيغة الفعل {حَقّاً} مصدرٌ آخرُ مؤكدٌ لما دل عليه الأول {إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق} وقرئ {يُبدِىء} {ثُمَّ يُعِيدُهُ} وهو استئنافٌ عُلّل به وجوبُ المرجعِ إليه سبحانه وتعالى فإن غايةَ البدءِ والإعادةِ وهو جزاءُ المكلّفين بأعمالهم حسنةً أو سيئةً، وقرئ بالفتح أي لأنه، ويجوز كونُه منصوباً بما نصب وعدَ الله أي وعَد الله وعداً بدءَ الخلقِ الخلق ثم إعادتَه، ومرفوعاً بما نصب حقاً أي حق بدءُ الخلقِ إلخ {ليجزى الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل وهو حالٌ من فاعل يجزي أي ملتبساً بالعدل أو متعلق بيجزي أي ليجزيَهم بقسطه ويوفيَهم أجورَهم، وإنما أُجمل ذلك إيذناً بأنه لا يفي به الحصرُ أو بقسطهم وعدلِهم عند إيمانِهم ومباشرتِهم للأعمال الصالحة وهو الأنسبُ بقوله عز وجل: {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} فإن معناه ويجزي الذين كفروا بسبب كفرِهم، وتكريرُ الإسناد بجعل الجملةِ الظرفية خبراً للموصول لتقوية الحكمِ والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبلِ للدلالة على مواظبتهم على الكفر، وتغييرُ النظمِ للإيذان بكمال استحقاقِهم للعقاب وأن التعذيبَ بمعزل عن الانتظام في سلك العلةِ الغائيّة للخلق بدءاً وإعادةً وإنما يحيقُ ذلك بالكفرة على موجَبِ سوءِ اختيارِهم، وأما المقصودُ الأصليُّ من ذلك فهو الإثابة.


{هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء} تنبيهٌ على الاستدلال على وجوده تعالى ووحدتِه وعلمِه وقدرتِه وحكمتِه بآثار صُنعِه في النّيِّريْن بعد التنبيه على الاستدلال بما مر من إبداع السمواتِ والأرضِ والاستواءِ على العرش وغيرِ ذلك وبيانٌ لبعض أفرادِ التدبيرِ الذي أشير إليه إشارةً إجماليةً وإرشادٌ إلى أنه حيث دبّرت أمورُهم المتعلقة بمعاشهم هذا التدبيَر البديعَ فلأن يدبّرَ مصالحَهم المتعلقةَ بالمعاد بإرسال الرسولِ وإنزالِ الكتابِ وتبيينِ طرائقِ الهدى وتعيينِ مهاوي الردى أولى وأحرى، والجعلُ إن جُعل بمعنى الإنشاءِ والإبداعِ فضياءً حالٌ من مفعوله أي خلقها حالَ كونِها ذاتَ ضياءٍ على حذف المضافِ أو ضياءً محضاً للمبالغة، وإن جُعل بمعنى التصييرِ فهو مفعولُه الثاني أي جعلها ضياءً على أحد الوجهين المذكورين لكن لا بعد أن كانت خاليةً عن تلك الحالةِ بل أبدعها كذلك كما في قولهم: ضيِّقْ فم الركية ووسِّعْ أسفلها، والضياءُ مصدرٌ كقيام أو جمعُ ضوءٍ كسياط وسَوْط وياؤه منقلبة من الواو لانكسار ما قبلها وقرئ {ضِئاء} بهمزتين بينهما ألفٌ بتقديم اللام على العين.
{والقمر نُوراً} الكلامُ فيه كالكلام في الشمس والضياءُ أقوى من النور وقيل: ما بالذات ضوءٌ وما بالعرَض نور، ففيه إشعارٌ بأن نورَه مستفادٌ من الشمس {وَقَدَّرَهُ} أي قدّر له وهيأ {مَنَازِلَ} أو قدّر مسيرَه في منازلَ أو قدره ذا منازلَ على تضمين التقديرِ معنى التصييرِ، وتخصيصُ القمر بهذا التقديرِ لسرعة سيرِه ومعاينةِ منازِله وتعلقِ أحكامِ الشريعة به وكونِه عمدةً في تواريخ العرب، وقد جُعل الضميرُ لكل منهما وهي ثمانيةٌ وعشرون منزلاً، ينزل القمرُ كل ليلةٍ في واحد منها لا يتخطّاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستوٍ لا يتفاوت، يسير فيها من ليلة المستهلِّ إلى الثامنة والعشرين فإذا كان في آخر منازلِه دقّ واستقوس ثم يستسرّ ليلتين أو ليلةً إذا نقص الشهرُ ويكون مقامُ الشمس في كل منزلةٍ منها ثلاثةَ عشرَ يوماً، وهذه المنازلُ هي مواقعُ النجومِ التي نسَبت إليها العربُ الأنواءَ المستمطَرةَ وهي السرطانُ والبطينُ والثريا الدبَرانُ الهقعةُ الهنعةُ الذراعُ النثرةُ الطرفُ الجبهةُ الزبرةُ الصّرفةُ العواءُ السّماك الغفرُ الزبانى الإكليلُ القلبُ الشوْلةُ النعائمُ البلدةُ سعدُ الذابحُ سعدُ بلَع سعدُ السعودِ سعدُ الأخبيةِ فرغُ الدلوِ المقدّم فرغُ الدلو المؤخّرُ الرّشا وهو بطن الحوت {لّتَعْلَمُواْ} إما بتعاقب الليلِ والنهارِ المنوطَين بطلوع الشمسِ وغروبِها أو باعتبار نزولِ كلَ منهما في تلك المنازل {عَدَدَ السنين} التي يتعلق بها غرضٌ علميٌّ لإقامة مصالحِكم الدينية والدنيوية {والحساب} أي حسابَ الأوقاتِ من الأشهر والأيام والليالي وغيرِ ذلك مما نيط به شيءٌ من المصالح المذكورةِ، وتخصيصُ العدد بالسنين والحسابِ بالأوقات لما أنه لم يُعتبرْ في السنينَ المعدودةِ معنى مغايرٌ لمراتب الأعداد كما اعتُبر في الأوقات المحسوبةِ، وتحقيقُه أن الحسابَ إحصاءُ ما له كميةٌ انفصاليةٌ بتكرير أمثالِه من حيث يتحصل بطائفة معيّنةٍ منها حدٌّ معيَّنٌ له اسمٌ خاصٌّ وحكمٌ مستقلٌّ كالسنة المتحصِّلةِ من اثنى عشرَ شهراً قد تحصل كلٌّ من ذلك من ثلاثين يوماً قد تحصّل كلٌ من ذلك من أربع وعشرين ساعةً مثلاً، والعدُّ مجردُ إحصائِه بتكرير أمثالِه من غير اعتبارِ أن يتحصل بذلك شيءٌ كذلك، ولما لم يُعتبر في السنين المعدودةِ تحصُّلُ حدَ معيَّنٍ له اسمٌ خاصٌّ غيرُ أسامي مراتبِ الأعدادِ وحكم مستقلٌّ أضيف إليها العدد وتحصّلُ مراتبِ الأعدادِ من العشرات والمئاتِ والألوفِ اعتباريٌّ لا يُجدي في تحصل المعدودِ نفعاً وحيث اعتُبر في الأوقات المحسوبةِ وتحصلَ ما ذُكر من المراتب التي لها أسامٍ خاصةٌ وأحكامٌ مستقلةٌ علّق بها الحسابُ المنبىءُ عن ذلك والسنةُ من حيث تحقّقُها في نفسها مما يتعلق به الحسابُ وإنما الذي يتعلق به العدُّ طائفةٌ منها وتعلقُه في ضمن ذلك بكل واحدةٍ من تلك الطائفةِ ليس من الحيثية المذكورةِ أعني حيثيةَ تحصّلِها من عدة أشهرٍ قد تحصل كلُّ واحدٍ منها من عدة أيامٍ قد حصل كلٌ منها بطائفة من الساعات فإن ذلك وظيفةُ الحسابِ بل من حيث إنها فردٌ من تلك الطائفةِ المعدودةِ من غير أن يُعتبرَ معها شيءٌ غيرُ ذلك، وتقديمُ العددِ على الحساب مع أن الترتيبَ بين متعلّقيهما وجوداً وعلماً على العكس لأن العلمَ المتعلّقَ بعدد السنين علمٌ إجماليٌّ بما تعلق به الحسابُ تفصيلاً وإن لم تتّحِد الجهةُ، أو لأن العددَ من حيث إنه لم يعتبر فيه تحصُّلُ أمرٍ آخرَ حسبما حُقق آنفاً نازلٍ من الحساب الذي اعتُبر فيه ذلك منزلةَ البسيطِ من المركب {مَا خَلَقَ الله ذلك} أي ما ذكر من الشمس والقمر على ما حُكي من الأحوال وفيه إيذانٌ بأن معنى جعلِهما على تلك الأحوالِ والهيئاتِ ليس إلا خلقَهما كذلك كما أشير إليه، ولا يقدح في ذلك أن استفادةَ القمرِ النورَ من الشمس أمرٌ حادثٌ فإن المرادَ بجعله نوراً إنما هو جعلُه بحيث يتصف بالنور عند وجودِ شرائطِ الاتصافِ به بالفعل {إِلاَّ بالحق} استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم أحوالِ الفاعل أو المفعول أي ما خلق ذلك ملتبساً بشيء من الأشياء إلا ملتبساً بالحق مراعياً لمقتضى الحِكمة البالغةِ أو مراعىً فيه ذلك، وهو ما أشير إليه إجمالاً من العلم بأحوال السنينَ والأوقاتِ المنوطِ به أمورُ معاملاتِهم وعباداتِهم {يُفَصّلُ الآيات} أي الآياتِ التكوينيةَ المذكورةَ أو جميعَ الآياتِ فيدخلُ فيها الآياتُ المذكورةُ دخولاً أولياً أو يفصل الآياتِ التنزيليةَ المنبِّهة على ذلك، وقرئ بنون العظمة {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الحكمةَ في إبداع الكائناتِ فيستدلون بذلك على شؤون مُبدعِها جل وعلا أو يعلمون ما في تضاعيف الآياتِ المنزلةِ فتؤمنون بها، وتخصيصُ التفصيلِ بهم لأنهم المنتفِعون به.


{إِنَّ فِى اختلاف اليل والنهار} تنبيهٌ آخرُ إجماليٌّ على ما ذكر أي في تعاقبهما وكونِ كلَ منهما خِلْفةً للآخر بحسب طلوعِ الشمسِ وغروبِها التابعين لحركات السموات وسكونِ الأرضِ أو في تفاوتهما في أنفسهما بازدياد كلَ منهما بانتقاص الآخرِ وانتقاصِه بازدياده باختلاف حالِ الشمسِ بالنسبة إلينا قُرباً وبعداً بحسب الأزمنة، أو في اختلافهما وتفاوتِهما بحسب الأمكنةِ إما في الطول والقِصَر فإن البلادَ القريبةَ من القُطب الشماليِّ أيامُها الصيفيةُ أطولُ ولياليها الصيفية أقصرُ من أيام البلاد البعيدةِ منه ولياليها، وإما في أنفسها فإن كروية الأرضِ تقضي أن يكون بعضُ الأماكن ليلاً وفي مقابله نهاراً {وَمَا خَلَقَ الله فِى السماوات والارض} من أصناف المصنوعات {لاَيَاتٍ} عظيمةً أو كثيرةً دالةً على وجود الصانعِ تعالى ووحدتِه وكمالِ علمِه وقدرتِه وبالغِ حكمتِه التي من جملة مقتضياتِها ما أنكروه من إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزالِ الكتابِ والبعثِ والجزاء {لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} خصّهم بذلك لأن الداعيَ إلى النظر والتدبر إنما هو تقوى الله تعالى والحذرُ من العاقبة فهم الوافقون على أن جميعَ المخلوقاتِ آياتٌ دون غيرِهم {وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى السماوات والارض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8